عذاب المعرفة ونعيم الجهل

 تأتيني الفكرة، ثم يأتيني صداها. يرن صدى أفكاري في رأسي، كزئير خافت، لأسد يحتضر. تعبر خاطري خاطرة، وما تلبث أن تستقر في رأسي، وأحاول تفكيكها، إلا وجاءتني توابعها. كزلزال وتوابعه. أتصالح مع الهزة الأولى، فتأتي هزات صغيرة متتالية لتحطم كل هدوء مفتعل عملتُ لأجده.

أقول: أنا أعرف هذا، وهذا، وهذا. يفاجئني أنني أعرف الكثير. ترن الفكرة في رأسي، ترعبني، ثم ألوم لومي لذاتي، وأقول: من يكره أن يكون عليمًا! وأنا التي تختار عذاب المعرفة على نعيم الجهل. أهدأ قليلا، وما أن أنتشي، تبدأ التوابع: بم نفعتك المعرفة؟ ما قيمتها؟ وماذا عن الأسئلة التي لا إجابة لها؟
والله ليس غرورا، لكنه بؤسا شديدا. أنا لا أدعي معرفة كل شيء، ولا أزعم أنني أعرف كل الإجابات، لكن أسئلة العالم سهلة، عرفت إجاباتها منذ زمن، أما أنا، فلدي بعد كثير من الأسئلة التي لا أعرف لها إجابة. ولذا، عندما أغمضت عيني، وصفا ذهني، وراق خاطري، مع الشهيق، زارني فيض من علامات الاستفهام، ومع الزفير، كانت إجابات معظمها قد حضر، لكن ما ظل منها بلا إجابة هو الأسوأ. وخرج مني النفس على صورة تنهيدة. تظنني مللت، وهو ليس الملل، وإنما اليأس الذي حطمني. تشرد نظراتي بعيدًا، وعندما تعود، يكون عقلي قد طاف العالم، وعاد محملّا، ولكن خاويًا.

Comments

Popular posts from this blog

رسائل إلى أبي - كل ما أردت أقول، ولم أقل (1)

"ولا بعرف أبكي أصحابي غير في الليل"