رسائل إلى أبي - كل ما أردت أقول، ولم أقل (1)
1
لم أذهب أبدًا إلى طبيب نفسي. ذهبتُ مرة واحدة في مدينة إسبانية، تبدو لي حقيقة أنني عشتُ فيها ما يزيد على العام، حلمًا أكثر منه ذكرى. لم تعيقني اللغة يومها، ولم يكن لدي أي ملاحظات على الطبيب أو أدائه، ولكني فقط شعرتُ بعدها أنني أستطيع أن أرى ما وراء ما يفعل، وأنني أعرف لماذا سأل ما سأل، وأنني أعرف أكثر من أن يساعدني أحد. آفة حياتي الأبدية: أعتقد أنني أعرفُ أكثر مما يجب. سألني الطبيب يومها عن أمي. نظر إلى يدي التي قبضتها، وأن أحكي عنها، وفهمتُ أنه أعتقد من حديثي أن أمي كانت تقبض علينا بيد من حديد. وأنا فهمتُ نظرته، وشعرتُ بارهاق شديد من أنني يجب أن أشرح له كثيرا جدا، حتى يفهم. ثم حتى أصحح له نظرته. جاريتُه الحوار حتى انتهت ساعتي، وذهبتُ ولم أعد. لم يسألني عنك. ربما كان سيسألني لاحقًا. كنتُ سأنصفك يا أبي وأذكرك. لابد لأي طريق للتعافي أن يمر بك ومن خلالك. لكني شعرتُ يومها بالظلم. أيًا كان، أعرف أن من ضمن أساليب التعافي والتصالح التي كان سيقترحها علي في جلسات لاحقة، هي أن أكتب عنك. وأنا أقرر الآن، بعد سنوات من هذه الجلسة، وسنوات أكثر من رحيلك، أن أكتب لك كنت ما أريد أن أقوله، ليس إلى الطبيب، وليس لصديق، بل كل ما أردتُ أن أقول لك، ولم أقل.
أتعرف أنني أنسبُ إليك حكايات كثيرة، حكايات أختلقها. عبر وحكم أقولها للناس وأنا أقول كان أبي يخبرني هذا. لا أراه كذبًا. أنسبُ إليك الجميل، مثلك. وأنسبُ إليك كل ما أعرف أنه كان سيأتي منك لو أنني أتحتُ لك الفرصة، أو لو أن العالم كان عادلا معك ولو قليلا. كلما ذكرتُك يا أبي، بكيت. ولا أعرف حقًا لماذا. ندمًا، أم حزنا؟ ولكن ذكراك تشعرني بالنقصان. أحيانًا، أجلس لأفكر فيك، لم أعرفك جيدًا. عرفتُ أمي وفهمتها، بقدر استطاعتي. أما أنت، فوجهك في رأسي، يعلوه شعر أسود ناعم، وتزينه ابتسامة لا تزول. لكني لا أعرف كيف كنت تفكّر؟ بما كنت تحلم؟ كيف كنت تراني؟ هل رضيت عني؟ هل حزنت بسببي؟ هل تذكرتني في آخر يوم لك؟ وهل صحب مجيئي إلى خاطرك، الابتسام أم العبوس؟
أريد أن أعرفك أكثر، وفي الطريق، ربما أعرف نفسي.
Comments
Post a Comment